السبت، 30 سبتمبر 2023

لماذا لا أكتب

 

لماذا لا أكتب..


أشعر بالأسى البالغ كل يوم أكثر اتجاه اللغة، أشعر أنني مقصرة اتجاهها، ولا أعي هِبتها، لذلك أجد نفسي لا أكتب. 


لا أكتب، لأن مقدار الاحتمالات للكلمات التي بإمكاني تكوينها من ثمانية وعشرين حرفًا كثيرة جِدًا، ولا أدري إن كان بالإمكان حسبتها، أو حسبة وَقع كل منها.


لا أكتب، لأن الحرف وحده ربما لا يهم، لكن حين يرتبط ببقية الأحرف يصبح بمقدوره حمل شعور وإيصال معنى، وأهاب من حمل مسؤولية، كمسؤولية الكلمة.


لا أكتب، لأن هنالك من يقول أن الصورة أبلغ من ألف كلمة، ولا أحب أن تستثار مشاعري من صورة، ولا أستطيع استثارتها عند الغير بكلمة.


لا أكتب، لأن العمر الذي أمضيته هنا لا يتسع، فما هي مشاهداتي؟ لم أرى العديد من الأمور التي جعلتني أقول (الله)، أفلسنا نكتب (الله) التي رأيناها؟


لا أكتب، لأنني لا زلت أذكر زيارتي لأولى المتاحف في حياتي، وحين انهالت عليّ كل المشاعر مرة واحدة، ولم يكن بمقدور المرادفات التي أعرفها للكلمات، مثل كلمة (Beautiful) أن تصِف ما أرى، وشعرت بأنَّني أُصِبت بالشلل اللغوي.


لا أكتب، لأنني أخاف من فكرة أن هنالك من لا يستطيع أن يصِف ما يشعُر به وما رأى بكلماته، لكني أستطيع التعبير! لكن ثِقل مسؤولية الكلمة أمرّ من ثِقل عدم قدرتنا على التعبير.


لا أكتب، لأنه حين نُطلِق عن شخص كاتب، فنحن لا نُشير لكمْ الكُتب التي قرأها، ولا كم المشاهدات التي رآها، ولا وضعه للتنوين قبل الحرف الأخير، ولا معرفته لمرادفات عدة لكلمة واحدة، ولا لعدم استخدامه للمصحح الإملائي، ولا لصياغته اللغوية، والتي تُعدّ نِتاجًا لعدّة صياغات لاقت إعجابه منذ الصِغر فأصبحت (صياغته)، بل نُشير لكل شيء مرةً واحدة، نُشير لشَخصه.


لا أكتب، لأنني أعرف أنه بمقدوري أن أذهب إلى أي مكان باللغة، أستطيع التنقل بين الأزمنة، وتكوين عالم جديد، وجعل كل من حولي يعلمون كيف تستجيب حواسي لمشاهد معينة، كيف أترجمها، ومن أنا.


لا أكتب، لأن خير الكلام ما قلّ ودلّ، فصرت أحسب عدد الكلمات وأحاول جمع المعاني وحكرها في فقرات، والتنقيح والترتيب والكتابة وإعادة الكتابة، ووضع المكتوب أمام الملأ ليقيموه برمز (إعجاب).


لا أكتب، لأن العربية ليست كافية، والإنجليزية ليست مجرد ترجمة في الأفلام أو لغة نستخدمها في مقابلاتنا الوظيفية، بل لكل لغة روح، وسِمات، ولون، وشكل، وهوية.


لا أكتب، لأن الجميع أصبح كاتبًا، لكن لا أحد يدرك قدر اللغة، بما فيهم أنا.


لا أكتب، لأن الشَلل اللغوي أصابني بخوف، خوف أني جعلت أمور أخرى في حياتي ذو أهمية أكبر من التعرف على اللغة، فما فائدة كل ما أرى إن لم يستطيع (معجمي) حمله؟


لا أكتب، لأنه ربما.. الكتاب الحقيقيون، والذين لم ولن نعرفهم، هم كتاب، لا يكتبون.



سبتمبر، ٢٠٢٣

الاثنين، 30 يناير 2023

المدينة المكتظة بـ

 المدينة المكتظة بـــ


أتيت إلى تلك المدينة المكتظة بــــ( املأ الفراغ بما يتناسب مع تجربتك )، وبدأت في رؤية الأشياء من خلال عدسة جديدة، فأصبحت أرى كل شيء من بين الزِحام. وكنت كلما أُمعِن النظر، أجِد مشاهِدًا تستثير المشاعر داخلي بزخم أكثر وبقوة أكبر من سابقتها، أمعنت النظر مرة؛ فوجدت مشهدًا دافئًا لأبْ يمسك بيد ابنته، حبيبان لا يزعجهما طابور المقهى كونهم يملؤون أوقات الانتظار بأحاديثهم الطويلة، "ربما تكون تلك هي طريقة من في المدينة لكي يخفِّفوا من وطأة الازدحام عليهم" وأصدقاء يشربون قهوة غالية الثمن، يسمونها قهوة الجمعة، أراهم يضحكون، وفي ضحكاتهم الكثير من الأمل، يضحكون وكأن إيجاراتهم ليست غالية الثمن، يضحكون وكأنهم لا يشعرون بالغربة عن أهاليهم قط! يضحكون وكأنهم لا يشعرون بالقلق إزاء نجاح الأقران، ولا بالغضب بسبّة ضيق وتكدس الأشخاص بالمكان! وكأنهم وفي تلك المدينة المكتظة بالسكان لا يبالون بالتكدس السكاني ولا بمعدل الهجرة إلى مدينتهم، لا يبالون بعلاقات الدم الجديدة، والتي جعلتهم "وبلا دراية منهم" أكثر ترابطًا بعملائهم وزملائهم في العمل من أقربائهم وذويهم، أجدهم يعاندون تلك المدينة بالفرح، ففي تلك المدينة المكتظة بالمشاعر التي يجدر بهم تهذيبها، والأحلام التي يتوجب عليهم تشذيبها، والأهداف التي يعيدون كل مرة توجيهها، تمكنوا من إيجاد الأمل على كل لوحة إعلانية حالمة، وقاوموا الألم بردود أفعال تهكمية ساخرة، وكان لابد لهم من إعادة تعريف الفرح، فالأمل واجب، ويجدر على الجميع أن يواكب، فمن يتأخر فلن يتمكن من اللحاق، وربما لا يصبح له مكان هنا.

أوبر

جميعنا رأينا الأبطال بالسينما، لكن تلك كانت أول مرة أجِد بها بطلًا سينمائيًا يسير على أرض الواقع! فلا أجد شخصًا بإمكانه تحمل ازدحام هذه المدينة إلا ووصفته بالشجاع، فالمسافة لدى أولئك الشجعان لا تقدر بالكيلومترات، بل بكم المشاعر التي سيخوضونها كي يصلوا من النقطة أ إلى النقطة ب، ففي تلك المدينة المكتظة بالمركبات لا نصِف الطرق للسائقين، كونهم  حفظوا تلك الطرق عن ظهر قلب؛ فقد شَهِدت تلك الطرق على كافة أحداث حياتهم، وتبيَّنت لتِلك الإشارات أعمق ما تحمله حكاياتهم، وظهرت مواقف البطولة حينما اعترض السائقون طرقهم عن عمد، أو تجاوزوها من غير قصد، فوجدت نفسك شاهِدًا على جريمة يحاول بها بطلك "والذي سينتهي دوره بعد وصولك إلى وِجهتك" ألّا يجعلك تشعر بأن هنالك خطبٌ ما، فالجريمة هنا هي أن السارق سرق من الكابتن بضع دقائق، تعادل في حُسبته، وفي تلك الطرق المزدحمة.. بضع سنون.
 
السرعة

بدأت في ملاحظة سرعة الناس في تلك المدينة، والتي تُقدَّر بـ 200%، وتساءلت ما إن كانو يكملون قهوتهم الصباحية؟ أو يبالون بملء جداولهم المسائية؟ أجدهم في تلك المدينة تعبون، تعبون من إرهاق الأمل، والشعور "كل يوم" باقتراب الأجل، فالجميع يُشعرك هنا بأن موعد التسليم هو موعد ملاقاتك لحتفك، فهم يتلافون الموت كل يوم بالعمل، ولا عجبً في أنهم يحاولون البقاء على قيدِ الأمل، فما شهدته في تلك المدينة هي أنها تأخذ منهم خططهم، ليسلموها جداولهم، ويعطوها أيامهم، ويهدونها طاقاتهم، بنفسٍ طيبة، وقلب لا يحمل اتجاهها أي شيء.

أيمكننا المجاراة؟ أتساءل، فأثناء مجاراتك لسرعة تلك المدينة، لا تعلم ما إن كان يجب عليك اختصار أحاديثك قبل الدخول إلى مديرك، أو مراجعة طلبك قبل مهاتفة زميلك، فربما يعاملوك بجمود، وربما حساسيتك ستجعلك تخرج هذه المدينة من حسبتك، ففي تلك المدينة المكتظة بالعدائين، اللياقة مهمة، ولا عجب في أنك لا تجد أحد على آلات السير في النوادي الرياضية، لأن الجميع يمارس هرولته الصباحية في الخارج، بلا توقف.

الحب

أهناكَ مكان للحب في الرياض؟ كانت إحدى تساؤلاتي منذ وطأت قدماي أرضها، وأظن أن الإجابة هي نعم؛ بإمكانك الوقوع بالحب في الرياض، ربما تقع بحب أنواع العطور المصنوعة بماء الذهب، أو تُعجب بتلك العباءات المرصعة بالألماس؛ وتجد حينها الفراشات مدخلًا لقلبك بلا سبب! ففي تلك المدينة المكتظة بالجمال ستقع بالحب حتمًا، فعيناكَ ستلمع من لمعان الحِجارِ وصفوة الماء، وقلبك سيُعانق بدوره السماء! وستظن بأن هذا الشعور بإمكانِه أن يُدفئك من صقيع تلك المدينة، لتُفاجئ بأنه حبٌ أجوف؛ فإذا أردت الوقوع بالحبّ بها، فدوِّن ما سأقوله لك الآن: 
تأكد من أن تجد ما هو بقيمة ذلك العطر، وما هو بغلاء تلك الدراعة، وكُن طبيعيًا، فما أجمل الحب إن أتاك حقيقيًا.

وإلى إشعارٍ آخر..
العمر: شهر و١٥ يوم

الأربعاء، 27 مايو 2020

عيد ٢٠٢٠




الساعة الرابعة والنصف صباحاً و التكبيرات تدخل البيوت من كل ثقبْ 
قد سنحت لها الفرصة الآن فهمّت بالدخول من كل صوب  ككل سنة ..
الله أكبر الله أكبر .. معلنةً أن الله أكبَر !
الله أكبر كبيرا .. و الحمدلله كثيرا !
تستمرُ التكبيرات و يردد لسان حالك وراءها دون أن تشعر 
وكأنكَ لا تدري إن كانت مشاعرُ خِتامٍ تتسللها مشاعر بداية ... 
تطمئنك لأنك تريد الختامَ بشدّة و تريد في ذاتِ الآن نقطةَ استعداد لشيءٍ ما 
تعطيكَ من الجرعتين لكيلا يرتفع صوتُ أحدهما ظمأً .. 
لا تدري إن كانالكون يرددها معك ، و إن كان ترديدها طويلاً و من جموعٍ كانَت لتتحقق! 
لتشعر بها كشربة الماء بعد المشي في صحراءٍ قاحلة، 
أو كهدنة معلنة من كل مايحدث ، أو برقيةٍ تتضمنُ اتفاقية سلام .. 
رايةٌ بيضاء تحمل الكثير من الرضا في طياتها ، رايةٌ بيضاء تخبرك أن الله أكبر كبيرا .. و رضاً مختزنٌ في قلبكَ لا تعلم مطرحه ليخرج مع كلمة .. الحمدلله كثيرا !

يتداخل أصوات المؤذنون و لا تدري .. إن كنتَ قد أَفقتَ من كل هذه السيمفونية على الخامسة فجراً لترى البياض ناصعاً ليس في رايةٍ بيضاء الآن بل في ثوبٍ ورائحة عطرٍ تحفظها
 كما تحفظ أ ب...
 و صوتُ الأذانِ من أبيك لا يشبه صوتاً آخر .. يعلنُ هدنةً أخرى ، من نوعٍ آخر
تجلس لتَعِي الموقف .. و تجد أن الهدنة قد أُعلِنت مع أول تكبيرةٍ منه
و أن الأذان في قلبك و من قلبك و لِقلبك .. و لم ينجح أيٌ من الأصواتِ 
التي تسلَّلت للتكبيرات في اجتيازك .. تلاشت المنابر و لم يتبقَ أحد
فمحرابٌ بقربِ الشباك ..
 انعكاسٌ لضوءٍ على ثوبٍ أبيض 
أباك .. يكبر فيأذنك وقد أتيت تواً للحياة 
و يعيد الكرَّة من جديد... في كل عيد



عيد ٢٠٢٠
صالة بيتنا 
بابا

الأحد، 17 مايو 2020

جائحة كورونا COVID-19


مقابض الأبواب




لازلت أذكر الإعلانات التجارية و الحملات الإعلانية الضخمة ، كانت في الشوارع و في الأزقة و  بين الجرائد الممزقة ، الحل الأمثل للهرب .. فقد انخفضت أجور أصحاب التنمية البشرية وقد فقدوا بريقهم ، فكانت مقابض الأبواب تُباع أكثر مِمّا يُباع من طرق التصالح مع الذات و آليات المرور من خلال الشعور لا الالتفاف من ورائه لدى ألسنة أصحاب التنمية.. كلٌ يريد مقبضاً جديداّ. لفرصة أكبر للخارج! ووجدنا خلاصنا في الخارج. كلما يطرأ أمرٌ أمسك مقبض الباب .. كان في ملمسهِ أمرٌ مُطمْئِن. كلما تمر فكرة أمام غرفتي أربط حذائي و أستعد ، خلفَ البابِ من الداخل مدينة من الأفكار و المشاعر التي لم نَخُضها. التعداد السكاني لمنطقة ماوراء الباب قد تجاوز المحتمل، فخلف الباب الكثير مما حدث في  البارحة ، وقبل شهر ، و قبل عام.. ربما مذُّ كنت أرتشف حليب المراعي و أحدق في الشاشة فيأتي الإعلان ، لم نكن ننظر لفعالية الأمر حقاً .. كل ما في الأمر أننا نفتح الباب فنظن أن ينتهي كل شيء. كالمخدر التي تحقنه الممرضة ، لكننا هذه المرة نفعلها بأنفسنا. ياليتنا ارتعبنا من هذه الحقنة كما ارتعبنا من غيرها سابقاً ، فنحن !لا نقرأ حتى طريقة استخدامها. يهمنا مفعولها المؤقت فقط، حتى تحول المؤقت .. للأبد

  حين دخولك للمنزل تجتمع حولك الكائنات الصغيرة ، كلها التي لم تُبدِ لها اهتمام! تتوزع في مناطق المنزل .. تتوالد و تتكاثر ، تنتظرك على طاولة الطعام. تظن أنها بحاجة لتلتهم شيئاً ، ربما بعضٌ منك .. فتترك لها بعضك و تمضي. وهي كانت في حاجة ماسة للحديث ، فحينَ تذهب لغرفتك لا تجد مساحة لتربيعة على السرير .. تلك التربيعة الخالية من كل ماهو مؤرق ، السرير مزدحم جدا.َ ذاتهم المروجون لمقابض الأبواب يروجون لحلول لما يحدث لك في تلك السويعات التي تعود بها للمنزل ، يروجون لك بسرير واسع ب5 فوائد للنوم على الأرض .. لطرق الهرب الكثيرة .. يعلمونك كل شيء. فتصبح مثالاً لتجربة ناجحة للعميل .. و بمرتبة شرف

أتَتِ الجائحة ، ارتفعت أعراض انسحاب المخدر و انخفضت سيولة تلك الشركات
مقابض الأبواب أصبحت تُباع في السوقِ السوداء ، ارتفعت نوبات الهلع
لم نخطط لذلك

 أُغلقتِ أبواب الخارج "الحرية المجوفة"، وفُتحت أبواب الداخل "التحرر".

كل الذي حدث أن أتت مساحة لتربيعة على السرير ، بعد غداءٍ جيِّد مع شعورٍ في الثانية عَشر ، و صدمةٍ في العشرين .. 
أصبح كل شيء عُرضة للمساءلة و الشك و الشعور بالغصة والغثيان و الغضب و الألم
أصبحتِ الإعلانات عن موائدِ الطعام أكثر ، و أصحاب التنمية ليس على ألسنتهم غير الشجاعة .. 

قلَّ التعداد السكاني للمدينة التي تحمل الماضي
هُزِمَ شَجَعُ أصحابِ المقابض!

فحين تأتي الأزقة الآن
ستجدُ المقابض على الصحف تحت عنوان
"  مخدِّر جديد تم اكتشافه، مُنِعَ من الاستخدام " 


انتهى.